حتى يحبك رسول الله صلى الله عليه و آله
حتى يحبك رسول الله صلى الله عليه و آله
المحبة هي أساس هذا الدين، وهى البراق الموصل لحضرة الحبيب، ولذلك
قال الإمام أبو العزائم: من لم يركب على براق المحبة طال عليه الطريق.
ومحبتنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله قد انغرست في القلوب من
عالم الأمر الذى هو عالم الأرواح يوم: (ألسْتُ بربِّكُمْ) لأن الله أشهدنا
جماله العلىّ في هذا العبد، لأنه هو المظهر الأكمل والعبد للرب مَظهر،
لذلك يقول الإمام:
ما ظهوري مولاي إلا لتظهر
لي جليا علي عطاياك تُشكر
أنت أظهَرتَنى لتظهر ربــــا
قادرا، والعبدُ للربَِ مَظهــــر
وهو صلى الله عليه وسلم وآله ً في حلل الجمال والكمال، فنظرت إليه الأرواح
فعشقته، فانطبعت صورته الشريفة فى سرائرنا فتجملت السرائر بمعناه، ومعناه
هو الطهر والصفاء والنقاء، والإمداد كان على قدر الاستعداد، فكل حقيقة من
الحقائق نالت قسطها من معناه على قدر استعدادها، ولذلك يقول الإمام:
أهل المحبة من ألست سُكار
لمـّا لهم قد أشهد الأنواراً
شهدوا جمال حبيبهم سمعوا النداء
لبواله متبتليــن مراراً
الحب عند ألست كان محققاً
برهانـه صرنا بذاك حيارى
إلى أن يقول:
أنا من (ألسْتُ) مهيم بجماله
أنتــم معي إذ أظهر الأنوارا
ثم يكشف لنا عن أهل الحجاب الذى أساءوا الأدب مع الرسول ولم تظهر فيهم معانيه ولا أنواره فيقول:
من لم يرَ (بألسْتُ) نور جماله
لم يشهد الأنوار والأسرارا
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب فيك معناه الذى انطبع فيك في عالم
الذر، لأن لك أخلاقا إن أفنيتها فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم وآله سرى
فيك معنى قوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" ومن هذه الصفات
التى يحب أن يراها فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى تكون محبوباً
له - صفه الصدق.
والصدق خُلق من أخلاقه المحمدية، وصفة الصدق كما يقول الإمام أبو العزائم:
تحقق السالك بمقامات اليقين، وتقربه من رب العالمين، والصدق نور من نور
مقامات الإحسان يذهب ظلمة الشك والريب من قلب السالك، واعلم - أيها المؤمن
الكريم - أن الصدق سيف ما وضع على شئ إلا قطعه، والحق جل وعلا يدعونا فى
سيرنا وسلوكنا إليه أن نكون مع الصادقين قال تعالى: "يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ".
والصادقون لا يخلو منهم زمان. قال تعالى. " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " والله يجازى بالصدق قال تعالى
" لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ" وصفة الصدق وصف الحق
بها نفسه، ووصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم وآله فقال تعالى: "وَصَدَقَ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ " ولرفعة هذا الخُلُق وصف الحق به نفسه ووصف به حبيبه
والله لا يحب من خلقه إلا من كان على خلقه.
ولذلك كان هذا الخلق وصفاً لسيدنا إسماعيل كما يقول الحق جلا وعلا: "
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ
وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا " والعبد إذا تحرى الصدق كتب عند الله صديقاً،
قال تعالى فى شأن الخليل إبراهيم عليه السلام: " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ
إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا " " وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا" والصدق صفة وصف
الله بها المؤمنين فقال تعالى: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا
مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ " أى:
بالموت ( و َمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) أى: أن الأرض لا تخلو منهم لأنهم
بهم عُرف الحق وبه عَرفوا، وبهم قام الكتاب وبه قاموا، أنوار الصدق فيهم
تضيئ الطريق للحائرين، وتجذبهم إلى رب العالمين، ولذلك قال سيدنا علىّ:
بهم سيضئ الناس، وبهم يظهر الحق والعدل، وبهم ترد الحقوق إلى أصحابها،
وينتشر الخير بين العباد وفى سائر البلاد.
ولذلك يقول العباد يوم البعث بعد رؤية ما وعدهم الله به "هَذَا مَا وَعَدَ
الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " لأن الله لا يخلف وعده، والمؤمن
حريص على الوفاء بوعده لأن ذلك من علامة الصدق، وغيره من علامات النفاق.
والصدق ثلاثة: صدق اللسان؛ وصدق القلب؛ وصدق المعاملة، ولذلك وجب علينا أن
يظهر فينا نور الصدق على ألسنتنا وفى قلوبنا حتى تكون مؤهلة للتلقي عن
الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن القلب محل نظر الرب، والظاهر
محل نظر الخلق، وعلامة صدق القلب صدق التوجه لله كما قال الخليل إبراهيم
عليه السلام: " إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ومن صدق توجه لله
فأعطاه ما يتمناه.
وصدق اللسان بوابة القلب، فإن القلب فى حالة خشية ومراقبة لله تعالى،
فاللسان يترجم عما فيه فلا يخرج منه إلا نور، ولذلك فإن لله عبادا تسبق
أنوارُهم أقوالهم وهذا ببركة الصدق.
وأما صدق المعاملة فهو المراد، لأنه ينبغي على العبد أن يعرف أن المعاملة
إما أن تكون مع الله ورسوله؛ أو مع الناس؛ أو مع باقي الكائنات، فإن لم
تكن المعاملة مجملة بالصدق فلا خير فيها، والدين الدين المعاملة كما بين
صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد بيّن لنا الحقُّ جل وعلا صفة الصادقين في قوله تعالى من سورة الحشر:
" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" فبين لنا الحق إن أهم صفات الصادقين أنهم
يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وهذا صدق فى معاملتهم مع الله، وينصرون
الله ورسوله باتباع الأوامر واجتناب النواهي، لأن الله يحب أن يرى عبده
حيث يحب، لذلك قال الإمام: تعرض لمنازل نظراته حتى يراك حيث يحب؛ ولديها
يمنحك بفضله ما تحب وفوق ما تحب .
ومنازل نظرات الحق هم الصادقون فالعبد يجالسهم، لأن من يجالس أهل الحجاب
حجب بحجابهم، ومن جالس أهل المحبة أكرم بهم وبحبهم وبعلمهم وبفقههم
وبفهمهم، ولذلك دعانا الحق لنكون معهم؛ قال تعالي: "يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" وهذا
رحمة من الله لأنه لم يقل: وكونوا صادقين، ولكنه قال: (وكونوا مع
الصادقين).
والصادقون هم كما قال سيدنا علي زين العابدين: الصادقون نحن أهل البيت،
كونوا مع الصادقين أي: كونوا مع أهل البيت، والحق جل وعلا يكشف لنا عن
حقيقة الصادقين يوم القيامة فيقول في سورة المائدة: " هَذَا يَوْمُ
يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ " والخزي يكون للكذابين، ولكل مؤمن أن
يعرف أن الصدق هو رسول الله قال تعالي: "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ
عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ
مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ" وقال تعالي "ومن جاء بالصدق وصدق به أولئك هم
المفلحون".
والصدق كما أنبأ صلى الله عليه وآله وسلم يهدي إلي البر، والبر يهدي إلي
الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحري الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً إلخ....
رواه البخاري ومسلم.
والصلاة والصيام والزكاة والحج بدون الصدق لا يتحقق بها للعبد الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
وقد جاء إلي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله رجل فقال: يا رسول
الله أوصني ولا تكثر عليّ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً
رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت
إليه سبيلاً " قال والله لا أزيد عليها، قال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: "أفلح إن صدق".
والصدق منجاة، والكذب يؤدي بصاحبه إلي الدرك الأسفل من النار لأنه شعبة من
شعب النفاق، قال صلى الله عليه وسلم وآله: "آية المنافقين ثلاث: إذا حدث
كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد أخلف".
والصدق لابد أن يكون في السر والعلن، قال احد العارفين: إذا غضب الله علي عبد أعطاه ثلاثا ومنعه ثلاثا:
أعطاه صحبة الصالحين ومنعه القبول منهم، وأعطاه الأعمال الصالحة ومنعه
الإخلاص فيها، وأعطاه الحكمة ومنعه الصدق فيها، لهذا قال الإمام المجدد
السيد محمد ماضي أبو العزائم:
الــدين إيمان وصـدق طوية
وعلو نفس عن هوي ودنيـة
ويقيـن حـق صادق بتحقق
بالحق فـي حال صفا أو شدة
فإذا تطهر كل فرد مسلم
جُمعت قلوب المسلمين بحكمة
وتألفت وبجمعها يبدو الهدي
ويلوح نور الشرع يهدي للتي
ويعز جمع المسلمين وفردهم
ويذل أهل الشرك بعد معزة